2009-06-05

أبو ناظم ...غريب في منوبة

هاتفني Abounadhem يوم الاثنين الفارط 1-6-2009 صباحا قائلا:

- هل تعرف أين أنا؟

- قلت: لا أين؟

- اجاب: في منّوبة...في كلّية منوبة...

قالها باحساس كبير، بحب...بألم وحزن ومرارة. تراءى لي كأنّه في حيرة...كمن يبحث عن من يشد أزره ويواسيه. كان وحيدا لم يجد أحبته وأصدقائه ورفاقه...كانوا هنا في كل شبر من هذا الفضاء الفسيح...تدّكر كل شيء...تذّكر أحلامه وأمانيه عندما كان طالبا في قسم الفلسفة...تذّكر مدارج الكلية وقاعات الدرس"واعطيني نطبع الكور cours ...تذّكر أساتذته...بن جاب لله، الشنّوفي...مادام حدّاد "المتسلطة" وأبو يعرب المرزوقي وتقسيمه الرباعي...تذكر حرب الخراطيش système cartouche ...والخوف الشديد من الطرد والحرمان من الدراسة الذي كان جاثما على صدور الطلبة في تلك الفترة.

تذكر فقره...تذكر بسيسة أمّه وعشرينات أبيه...تذّكر "الجيتون" و"التيكيه" والبلاتو...والتضامن الطلابي

فالأكل متوفر، وكذلك السيجارة ورشفات الشاي ...كانت البلاتو تطعم أكثر من جائع وكأس الشاي يعدل مزاج أكثر من محشحش...تذكر الكاربوناتو وضرورة شرب الشاي بعد الأكل مباشرة للوقاية من النّوم حتى يتمكن من حضور الدروس المسائية...

التفت إلى الجدران فوجدها جدباء، عارية، حزينة يلفها السواد والغبار...تذكر بهجتها وفرحتها في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وكيف كانت تتجمل بالأفكار والخطوط والكلمات واللافتات والرسوم والصور...يوم الأرض...يوم التنديد بالامبريالية...تشي غيفارا...الفاضل ساسي...

نظر نحو الساحة فوجدها قاحلة، فارغة...لا اجتماعت ولا تجمعات ولا حلقات نقاش...ولا صراع أفكار ومواقف...لا اضرابات ولا اعتصامات ولا مسيرات ...لا قوات امن تحاصر المكان وتهدد بالاقتحام...وتقتحم...تذّكر المداهمات والاعتقالات...وتجنيد الطلبة في رجيم معتوق...

تذكر الجميع هنا...أصدقائه ورفاقه وزملائه...دفئ العلاقات بين الطلبة...الفتيات الديمقراطيات...تذكر شبابه بكل ما يوحيه من معاني الاصرار والتحدّي...والثورة...وقيم العدل والحرية والديمقراطية التي طالما تغنّى بها.

تذّكر الحافلة الصفراء 4C وازدحامها وعذاباتها...

وتتزاحم الصور والذكريات...أحسّ بالاختناق، كأن الفضاء تنكر له، لم يسلم عليه ولم يحتضنه كما كان يفعل من قبل...وجد نفسه غريبا رغم ما يربطه بالمكان من ذكريات...غصّة في الحلق ...حزن شديد ومرارة...ما أصعب تلك اللحظات...لم تشفع له توسلاته...وكأنّه فراق بدون رجعة...فكّر في برنامج "المسامح كريم" أو"عندي ما نقولك"... ابتسم...فعاوده الأمل وقال لماذا لا أجرب حظي...ههههها...تخيلوا معي أبو ناظم وفضاء كلية منوبة في برنامج"عندي ما نقولك"...يا للمصيبة منوبة ترفض فتح الستار...كأنه الطلاق الابدي...

لعن الزمن ومضى...

هناك 4 تعليقات:

eddou3aji يقول...

ههههه باهية لقطة عندي مانقلك ههههه تدوينة رائعة طه شكرا

taha يقول...

شكرا eddou3aji على هذه الكلمات اللطيفة.
أنتظرت أبوناظم للتعليق على هذه المدونة وعندما طال انتظاري أخبرته فقال لي ان الانترنات لا تعمل لديه وسوف يطلع على التدوينة غدا...لننتظر
شكرا على مرورك

abunadem marzouki يقول...

كنت افكر ان اكتب شيئا عن الزيارة لكنك فاجاتني فعلا .احسست تقريبا ببعض ما قلته بل اكثر ..نوستالجيا الفقر والغربة ...تذكرت سنة 1986 ايام هجوم البوب على الكلية ...وكيف تحولت الى معتقل انصار او اكثر...تذكرت كلاب البوليس تحاصرنا ونحن نمر على الصراط وناكل على وجوهنا ورقابنا من الصفع ما اكل الطبل الابيض في اليوم الاسود ....تذكرت محسن مرزوق ...شكري بلعيد...الهاشمي الحامدي ...العجمي الوريمي...منذر ثابت...وتذكرت لمام بنجدو خاصة وتدخلاته الساخرة التي كانت تشدنا...تذكرت حمادي العش ..يتحدث باسم اليسار العظيم يحيي العظام وهي رميم...بعد انجاز المؤتمر 18 وكيف اثار تدخله ذاك حفيظة الاسلاميين وهجموا عليه ..حتى كادوا ان يفتكوا به ...تذكرتك انت معي ...تطلب سيجارة وتطلب مرافقتي الى المشرب ..ابتعادا عن ضجيج المزايدات ...كنا ننزوي هناك ...نلوذ بجيب صديقة ديمقراطية ...كما اسميتها تمنحنا ما يضمن بقاءنا الى الغد ...تذكرت يوم كنت على شفا التكرطيش ..وحملت حقيبتي مع صديقي المنصف ...على ان نسلم انفسنا للجندية هربا من مساءلة عائلاتنا لنا ...لو لم ننجح....؟؟؟
لكني للامانة وجدت على السبورة المؤدية لبهو المشرب كلمات اثلجت صدري " الحرية للحفناوي بن عثمان "وفي الجدار المقابل بقايا نص بامضاء اتحاد الشباب الشيوعي ربما غفل عنه البوليس الجامعي او حرس الادارة ...حتى يعدل من توازني المفقود اصلا ...
تذكرتم جميعا وقلت ...ها اني عدت ...
ظللت ابحث عن صديقي الدكتور الجويلي لنشرب قهوة ....

taha يقول...

رائع يا أبو ناظم...ذكريات حلوة ولا شك وربما من احلى فترات الحياة...أين نحن من تلك الايام؟
ستبقى ذكرى عزيزة ولا شك...سوف استغل أول زيارة الى تونس لأزور قلعة النضال منوبة...وكذلك قلعة 9 افريل...
لقد تمنيت لو كان تعليقك في حينه...لكن معذور بحكم المشكلة التقنية التي حجبت عنك الانترنات...
"تذكرت حمادي العش ..يتحدث باسم اليسار العظيم يحيي العظام وهي رميم..." ههههها
تصبح على وطن...