2008-05-13

بيروت محظيتكم .. بيروت حبيبتي

في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها لبنان، كل الاحتمالات واردة مادامت أمريكا وإسرائيل هما المحركان الأساسيان لخيوط اللعبة...تسارعت الأحداث وتطورت بشكل أربك الجميع واستطاعت المعارضة أن تكسب الجولة الأولى انطلاقا من قوتها على الأرض وتوخي عنصر المفاجئة...ورغم سيطرة الجيش اللبناني على مناطق التوتر، واختفاء المظاهر المسلّحة،

وتشكيل لجنة عربية للمساعدة على ايجاد حلول...مازال التشاؤم سيد الموقف لأن تاريخ لبنان علّمنا أن فتيل النزاعات عندما يشتعل من الصعب إخماده...خاصة مع توجه حاملة الطائرات الأمريكية إلى المتوسط، وزيارة جورج بوش إلى المنطقة...

اهدي اليكم قصيدة نزار قباني" بيروت محظيتكم...بيروت حبيبتي"، تضامنا مع بيروت في محنتها حيث الانقسام والتشرذم...وأمريكا وإسرائيل يدفعان نحو الحرب والخراب...

بيروت محظيتكم .. بيروت حبيبتي

سامحينا..

إن تركناكِ تموتينَ وحيدهْ ..

وتسلّلنا إلى خارجِ الغرفةِ نبكي كجنودٍ هاربينْ

سامحينا ..

إن رأينا دمكِ الورديَّ ينسابُ كأنهارِ العقيقْ

وتفرّجنا على فعلِ الزِنا ..

وبقينا ساكتينْ ..

2

آهِ .. كم كُنّا قبيحينَ، وكُنّا جُبناءْ ..

عندما بعناكِ، يا بيروتُ، في سوقِ الإماءْ

وحجزنا الشققَ الفخمةَ في حيِّ (الإليزيه) وفي (مايفير) لندنْ ...

وغسلنا الحزنَ بالخمرةِ، والجنسِ، وقاعاتِ القِمارْ

وتذكّرنا - على مائدةِ الروليتِ، أخبارَ الديارْ

وافتقدنا زمنَ الدِفْلى بلُبنانْ ..

وعصرَ الجُلَّنارْ ..

وبكينا مثلما تبكي النساءْ ..

3

آهِ .. يا بيروتُ،

يا صاحبةَ القلبِ الذهبْ

سامحينا ...

إن جعلناكِ وقوداً وحَطبْ

للخلافاتِ التي تنهشُ من لحمِ العربْ

منذُ أن كانَ العربْ !

4

طمئنيني عنكِ ...

يا صاحبةَ الوجهِ الحزينْ

كيفَ حالُ البحرِ ؟

هل هم قتلوهُ برصاصِ القنصِ مثلَ الآخرينْ ؟

كيفَ حالُ الحبِّ ؟

هل أصبحَ أيضاً لاجئاً ..

بين ألوفِ اللاجئينْ ؟

كيفَ حالُ الشعرِ ؟

هل بعدكِ - يا بيروتُ - من شعرٍ يُغنّى ؟

ذبَحَتنا هذهِ الحربُ التي من غيرِ معنى ..

أفرغتْنا من معانينا تماماً ..

بعثرتْنا في أقاصي الأرضْ ..

منبوذينَ ..

مسحوقينَ ..

مَرضى ..

مُتعبينْ ..

جعلتْ منّا - خلافاً للنبوءاتِ ..

يهوداً تائهينْ ...

5

هذهِ المرّةُ .. لم يغدرْ بنا

جيشُ إسرائيلْ ..

لكنّا انتحرنا ...

6

إصفحي، سيّدتي بيروتُ، عنّا

نحنُ لم نهجركِ مختارينَ .. لكنّا قرِفنا ..

من مراحيضِ السّياسه ..

وملَلنا ..

من ملوكِ السّيركِ .. والسيركِ .. وغشِّ اللاعبينْ

وكفرنا..

بالدكاكينِ التي تملأُ أرجاءَ المدينهْ ..

وتبيعُ الناسَ حقداً وضغينهْ ..

وبطاطينَ .. وسجاداً .. وبنزيناً مهربْ ..

آهِ يا سيّدتي كم نتعذّبْ ..

عندما نقرأُ أنَّ الشّمس في بيروتَ، صارتْ

كُرةً في أرجلِ المرتزقينْ ...

7

ما الذي نكتبُ، يا سيّدتي ؟

نحنُ محكومونَ بالموتِ، إذا نحنُ صَدَقنا ..

ثمّ محكومونَ بالموتِ، إذا نحنُ كذبنا

ماذا نكتبُ يا سيّدتي ؟

نحنُ لا نملكُ أن نحتجَّ ..

أو نصرخَ ..

أو نبصقَ ..

أو نكشفَ عن خيبتنا ..

أو نتمنّى ..

أخرستنا هذهِ الحربُ التي من غيرِ معنى ...

8

طلبوا منّا بأن ندخلَ في مدرسةِ القتلِ ..

ولكنّا رفضنا ..

طلبوا أن نشطرَ الربَّ لنصفينِ ..

ولكنّا اختجلنا ..

إننا نؤمنُ باللهِ ..

لماذا جعلوا اللهَ هنا .. من غيرِ معنى ؟

طلبوا منّا بأن نشهدَ ضدَّ الحبِّ ..

لكنْ ما شهدنا ..

طلبوا منّا .. بأن نشتمَ بيروتَ التي قمحاً .. وحبّاً

وحناناً .. أطعمَتْنا ...

طلبوا ..

أن نقطعَ الثديَ الذي من خيرهِ، نحنُ رضِعنا ..

فاعتذرنا ..

ووقفنا ضدَّ كلِّ القاتلينْ

وبقينا مع لُبنانَ سهولاً .. وجبالا ..

وبقينا مع لُبنانَ جنوباً .. وشمالا ..

وبقينا مع لُبنانَ صليباً .. وهلالا ..

وبقينا مع لُبنانَ الينابيعِ ..

ولُبنانَ العناقيدِ ..

ولُبنان الصبابهْ ..

وبقينا مع لُبنانَ الذي علّمنا الشعرَ ..

وأهدانا الكتابهْ

9

آهِ يا سيّدتي بيروتْ ..

لو جاءَ السّلامْ

ورجعنا، كالعصافيرِ التي ماتتْ من الغُربةِ والبردِ ..

لكي نبحثَ عن أعشاشنا بينَ الحُطامْ ..

ولكي نبحثَ عن خمسينَ ألفاً ..

قُتلوا من غيرِ معنى ..

ولكي نبحثَ عن أهلٍ وأحبابٍ لنا

ذهبوا من غيرِ معنى ..

وبيوتٍ .. وحقولٍ .. وأراجيحَ .. وأطفالٍ ..

وألعابٍ .. وأقلامٍ .. وكُرّاساتِ رسمٍ ..

أُحرقتْ من غيرِ معنى ...

آهِ ... يا سيّدتي بيروتْ ..

لو جاءَ السلامْ

ورجعنا ..

كطيورِ البحرِ، مذبحوينَ شوقاً وحنينا

وبنا شوقٌ إلى (منقوشةِ الزّعترِ) .. واللّيلْ ..

ومَن كانوا يبيعونَ عقودَ الياسمينْ

فمنَ الجائزِ، يا بيروتُ، أن لا تعرفينا ..

قد تغيّرتِ كثيرا ..

وتغيّرنا كثيرا ..

وكبرنا نحنُ - في عامينِ - آلافَ السنينْ

10

إحتملنا نفيَنا عشرينَ شهرا ..

وشربنا دمعنا عشرينَ شهرا ..

وبحثنا في زوايا الأرضِ عن عشقٍ جديدٍ

غيرَ أنّا ما عشقنا ..

وشربنا الخمرَ من كلِّ الدوالي ..

غيرَ أنّا ما سكِرنا ..

وبحثنا عن بديلٍ لكِ،

يا أعظمَ بيروتَ ..

ويا أطيبَ بيروتَ ..

ويا أطهرَ بيروتَ ..

ولكنْ ما وجدنا

ورجعنا ..

نلثمُ الأرضَ التي أحجارُها تكتبُ شعرا ..

والتي أشجارُها تكتبُ شعرا ..

والتي حيطانُها تكتبُ شعرا ..

وأخذناكِ إلى الصّدرِ ..

حقولاً .. وعصافيرَ .. وكورنيشاً .. وبحرا ..

وصرخنا كالمجانينِ على سطح السّفينهْ :

أنتِ بيروتْ ..

ولا بيروتُ أخرى

هناك تعليقان (2):

Legend Of The Fall يقول...

سأتدخل هنا من أجل إيضاح شيء. صحيح أن أمريكا و إسرائيل تمسك يخيوط اللعبة في لبنان و لكن أيضا سةريا و إيران. ما لا يريد أن يفهمه الشعب العربي هو أن لبنان لا يعدو أن يكون مجرد ورقة لعب بيد تلك القوى و بالتالي فإن أي تنازل يقدمه أحد الفريقين، 14 آذار أو 8 آذار، فإن ذلك التنازل يحلل على أنه انتصار قوى ضد قوى أخرى. من هنا تأتي المعضلة اللبنانية. أعتقد أنه لو تركت تلك الدول اللبنانيين يتصرفون لوحدهم دون ضغوطات أو إملاءات أو مساعدات، لوجد اللبنانيون الحلّ.
هنالك نقطة أخرى لا يريد الشعب العربي أن يسمعها و أن يفهمها و هي أن عددا كبيرا من السوريين و منهم حتى المسؤولين يرفضون فكرة أن لبنان بلد مستقل عن سوريا. و إن كان البعض يرجح أن لبنان تابع لسوريا فإن التاريخ القديم يدل على عكس ذلك حيث كان لبنان هو فينيقيا و كان بلد و حضارة مستقلة تماما.
بالنسبة لحكومة السنيورة. للأسف يتعامل العرب معها اليوم و كأنها حكومة غير شرعية و غير دستورية و هم هنا يخطؤون. حيث أن وسائل الاعلام التابعة للمعارضة اللبنانية أو المتعاطفة معها ووسائل إعلام سوريا و إيران، صورت حكومة السنيورة على أنها حكومة غير شرعية و هذا الأمر خطير و يحمل مغالطات كثيرة. الأمر سهل. يكفي أن نطلع على الدستور اللبناني و ميثاق الطائف حتى يتبين لنا أن الحكومة شرعية و دستورية. ذلك أن الحكومة لا تعتبر مستقيلة إلا إذا ما فقدت أكثر من 1/3 وزرائها في حين أن الحكومة الحالية لم تفقد ذلك العدد بعد بالرغم من اعتكاف الوزراء الشيعة و اغتيال الوزير بيار الجميل.
بالنسبة لحزب الله، فإنه أكد مرارا و تكرارا أنه لن يوجه سلاحهه إلى صدور اللبنانيين و لكنه لم يفي بوعوده و مناصريه هم الذين عمدوا إلى افتعال الأزمة الحالية و إغلاق الطرقات و الدعوة إلى عصيا مدني مستغلين الدعوة إلى الإضراب العام حتى يقومو بتحركهم. بالتالي فإن كل الخطوات مدروسة مسبقا و هي تدل على سوؤ نية المعارضة اللبنانية.
لا أنكر فضل حزب الله و المقاومة بالرغم من أن حزب الله لم يكن عادلا فهو رفض تدخل أطراف عدة من السنة و المسيحيين الذين رغبوا في مقاومة العدو الاسرائيلي و تفرّد هو بالمقاومة و لكنني أنا ضد تصرفه السياسي اليوم في لبنان حيث بات يعيق أي تطور و تنمية و أصبح يعرقل الحياة الاقتصادية و السياسية بلبنان و من ثمة يحمل الحكومة المحاصرة المسؤولية.

taha يقول...

احترم موقفك لكن تصرّف حكومة السيد السنيورة وخاصة فيما يتعلق بالقرارات
الاخيرة هي السبب في اعتقادي في تصاعد الازمة. وهذه المطالب: أمن المطار وشبكة اتصالات المقاومة...هي مطالب صهيونية وامريكية بالأساس.