2008-04-10

المفكر سليم دولة :أدعو إلى احترام الحقوق الحيوانية للإنسان العراقي !

قرات في جريدة الشروق لهذا اليوم 10 أفريل 2008 مقالا نقديا طريفا للمفكر التونسي سليم دولة،أدعوكم لقراءته كاملا.


خمس سنوات في عمر الأفراد قد تكون لها قيمة بيولوجية ونفسية أما خمس سنوات من تاريخ الشعوب المقترن بتاريخ المدن تكاد لا تساوي شيئا غير أن زمن المحن بالنسبة للذين يعيشون على متعلّق واحد وأمل واحد هو الحرية من الغزاة المقتحمين لأوطانهم وأعراضهم وذاكرتهم الجماعية الموجوعة بكل احتياطي الهمجية فإنها مدّة ستظلّ عالقة في الذاكرة.
بين الحين والآخر وخاصة عند النهوض صباحا لما يكون الذهن على جانب من الصفاء النسبي لا أصدّق أن مدينة المنصور وتحفة الرشيد ودرّة الأكوان بغداد كما تسمى في معجم البلدان قد سقطت وهي فعلا لم تسقط وإنما يحلو لي أن أقول بأن بغداد ترنّحت بسرعة مذهلة لأسباب مركّبة أهمّها الحصار المقيت وعدم تكافؤ الأسلحة أثناء الحرب.
لقد حقّق الغزاة مهمة جزئية تمثلت في الوصول إلى عنق الرئيس الشهيد صدام حسين الذي يعتبر في نظر الامبريالية القصوى أخطر أسلحة الدمار الشامل وما رغبة التشفي فيه وفي سلالته إلا درس لكل الحكام العرب والوطنيين لئلا تراودهم مجرّد فكرة الحفاظ على الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية والنخوة القومية ذلك أن كلّ الحروب مهما كانت دوافعها وأدوات إنجازها ومشاريعها الايديولوجية، كانت دائما تتخذ لها طابع القداسة ويقدّم الغزاة أنفسهم لأنفسهم وللعالم وللسكان المحليين على أنهم أصحاب رسالة منقذة ومشروع تحريري وتنويري لذلك نشهد في الحرب على العراق كل أشكال التعبئة باسم أنجيل العولمة الذي بقدر ما يلحّ على الكونية فهو يتأسّس على تفتيت الحركات الوطنية والتواريخ المحلية وتقزيم المنجز التاريخي للآخر المختلف الذي يدافع عن حصون ذاكرته اسمنت هويته.
إذا كانت الحروب زمن الامبريالية التقليدية تتمّ في قارّة واحدة فإن الحروب في زمن الامبريالية القصوى عابرة للقارات وهو ما يتطابق تماما مع فكرة العولمة ابتداء من معناها الاقتصادي وصولا إلى مشروعها الهيمني الايديولوجي مما يجعلنا نتساءل أي مقام للدولة الوطنية بعد الغزو الأمريكي للعراق والتنكيل والتمثيل برئيسها وبتدمير بناها التحتية ومخزونها الحضاري والنفسي؟
هل من سيادة على المستوى التعليمي؟ ألا يتوجب على وزارات التربية والتعليم والثقافة والاقتصاد والاعلام تطبيق الخطط الآتية من وراء البحر لاسترضاء التنين الأمريكي؟ ألسنا شعوبا وأفرادا مدعوين إلى التسبيح على الطريقة الدينية باسم مجانين زيت الصّخر البترول؟
ما معنى الاعتداء على أبسط حقوق الإنسان الحي والميت في زمن الإشادة بحقوق الحيوان لقد صدر في 1974 الاعلان العالمي لحقوق الحيوان عن اليونسكو في باريس ومن بنوده عدم إرباك الحيوان وتعريضه للخوف والألم والدفاع عن حقه في الوجود فهل تمّ احترام الحقوق الحيوانية للانسان العراقي؟ أليس في احتلال العراق والعبث اللامتناهي بإرثه الحضاري وبتاريخه وبجغرافيته وبتحريك المكبوت الاثني العرقي الديني والسلالي قتل فعلي للتنوع والاختلاف!
إن تعداد أشكال المحن والبكاء المر على العراق لا يفيد، الأهمّ من ذلك هو الاعتبار خاصة أننا ننتمي إلى حضارة تشيد كثيرا بالاعتبار وقياس الغائب على الشاهد.
وأهم درس حسب رأيي الكفّ عن التمديد الفجّ للامبريالية والغزاة وتبذيرهم للعنف المفرط والاتجاه بالكلية إلى تحصين حصون الدار الوطنية.
لقد كتبت ذات يوم في افتتاحية مجلّة «آفاق عربية» وهي مجلّة صدّام حسين العبارة التالية «لقد هزمنا وإن تجربة ديمقراطية حقيقية في العراق ضرورية لسدّ الطريق أمام الامبريالية الأمريكية ومشتقاتها».
إن هذه العبارة لم تحذف يعني ذلك أن القيادة العراقية كانت على وعي بهزيمتنا الأولى غير أن بنى السلطة المتقادمة وغياب الثقافة النقدية لدى المثقفين والسعي كدحا إلى الكسب السريع إنما هو الذي جعل الجميع يسقط في الغفلة القاتلة. كما استنتجت حينها استنتاجا يلزمني إلى اليوم بل هو اليوم أكثر أهمية من سنوات التسعينات، فما هو هذا الاستنتاج؟
حين نقارن العقل السياسي العربي الاسلامي بأدائه وأدواته المختلفة بالعقل السياسي الأمريكي والاسرائيلي نتبين للتوّ دون كثير من الذكاء والعمى الفكري والكدح المعرفي أن العقل السياسي الأمريكي الامبريالي الاسرائيلي يستعمل كلاّ من القوّة واللين ويسرف على اللين حينما يتّجه إلى الداخل وذلك اقرارا منه بقيمة الانسان بما هو مواطن وبالمواطنة كمرجعية اتيقية.
وحتى النقد الذي يوجه من قبل الشارع الأمريكي ضدّ التوجه الامبريالي الأمريكي يكون دافعه الحرص على ما يسمى صورة أمريكا في حين أن هذا العقل الامبريالي ذاته حينما يتجه إلى الخارج يتوسل بكل أشكال العنف لتحقيق المحلوم به امبرياليا ويعتبر ذلك من مقتضيات ما يسمى المصلحة القومية الكبرى فهو يعترف إذن بالقومية لكنه ينفي مشروعية المطالبة بها لسواه. فأن تكون قوميا خارج المنتظم الأمريكي أو وطنيا متمسكا بحرية الاستقلال الوطني يعني أنك ارهابي أو مشروع ارهابي، ولو نرصد الآن آلية اشتغال العقل السياسي العربي الاسلامي ـ اجمالا ـ لتبينا أن العكس هو الذي يحدث إذ حين يتجه إلى الداخل إلى المواطنين والذين أغلبهم رعايا يستعمل كل أساليب الترهيب ومشتقات الترهيب الموروثة عن السلف الطالح وليس الصالح المسكونين بالتفرّد بالسلطان والملك لذلك قيل في حضارتنا إن سكر السلطان أشدّ من سكر الشراب وأن السلطة «انبساط بالقوة» والملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم» لذلك ربما نفهم مخزون التشفي لدى العربي الاسلامي من السلطان أو الأمير أو الرئيس العضوض حين سقوطه.
هذا العقل نفسه العربي الاسلامي نفسه حين يتجه إلى الخارج يفقد جميع أشكال صلابته وحصانته وهو ما يبرّر احتياطي الانبطاح والأمعية والتبعية للسياسة الامبريالية ثمة جملة غالبا ما تحيّرني حينما استمع إليها في نشرات الأخبار العربية عند لقاء مسؤول من الجهات الأمريكية مع أحد المسؤولين من البلاد العربية ما هي هذه العبارة؟ عبارة تطابق وجهات النظر حول القضايا المحلية والعالمية يعني ذلك الموافقة اللامشروطة للمحليين مع الوافدين من الغزاة بحثا عن شرعية محلية بأرجل امبريالية، قد يكون مفهوما هذا على مستوى ديبلوماسية السياسة حدّ التعاسة غير أن الأخطر في رأيي هو تهديد من ينتسبون إلى المعارضات المحلية من المثقفين بالعودة إلى أوطانهم على ظهور الدبابات الأمريكية.
إن من لا يعترف بالتاريخ لا يعترف به التاريخ. وما تعلّمناه من التاريخ هو أنه ما من شعب بقي محتلا إلى الأبد وإن ما يسمى مقاومة الارهاب قد يكون كلاما حقيقيا لتبرير سلوك امبريالي رديء وربما نفهم نحن التونسيين أكثر من سوانا صرخة شاعر إرادة الحياة ومطلبه العدل من الكون زمن الاستعمار «لا عدل إلا إذا تعادلت القوى وتصادم الارهاب فلا يحق باسم التاريخ وأخلاقيات الجهاد أن نخلط بين الارهاب والذي هو تبذير للعنف في غير موضعه للتشفي العرضي أو الرّد الفعلي الآلي الميكانيكي وبين جميع أشكال المقاومة الوطنية للدفاع عن الهوية والذات في زمن يهدّد بتفتيت كلّ القيم الكبرى التي ينادي بها الغزاة أنفسهم.
ما قيمة من يتنازل عن كرامته الذاتية ووطنه وتاريخ أمته قد قال روسو ذات يوم وإن كان قد اختار العشابة بعد يأسه المؤقت من أصحاب مشاريع التنوير «أنا لا أقول بأن الحرّ هو من يفعل كل ما يريد ولكني أقول بأن الحرّ هو من لا يفعل ما لا يريد» وكذلك لازمته الشهيرة إن من يتنازل عن حريته إنما يتنازل عن إنسانيته. هل تريد لنا الامبرياليات المفرطة في العنف حدّ التبذير أن نتنازل حتى عن الحقوق المقدسة لحيوانيتنا؟!

المصدر: جريدة الشروق التونسية 10 افريل 2008.

ليست هناك تعليقات: